من خزينة العجائب

هذي الدنيا
آهٍ منها
آه من صنع الإنسان
عجبا فيها
يرسم ليل الأحزان
تحت جناح الليل الآتي
أشكو من غم فيها
يمطر خوفا في وطني
يعدم زهرا وأماني
يمحو كل بيوت الحب السامي
يلبسه خوفا في أوطاني.
أحرق كل شجيرات الغاف الخضرا
من بستاني
واقتلع الأمن بقلبي
وشجيرات الخوف سقاها
رعبا ... جعل الموت أماني
كقطار مر على عجل
يحمل مأساة الإنسان
يحمل في كفيه رمادا
صور من كثبان الحزن الأخرس
تجثم فوق الصدر الحاني
أردتهم أمواتا من حولي
وانسل بفعلته .... بالداء رماني
ينعتني بالقاسي
وهو القاسي الداني
عجبا كيف تصيب النعجة ذئبا
وتحطم أضراس الشيطان
وتدمر هذا الكون الواسع
وتهز كيان الإنسان
والأفعى أضحت أما
تنفث حبا وأمانِ
عجبا ...........
من حكام جرب
وجنود الأوطان
أذاقونا سما
فسلاح الأعداء بصدري
وبظهري سكين الإخوان
يا أبناء الأرض الحبلى
من أين أتيتم؟!
بشياطين الحكم إلينا
هذا الإنسان الأعمى
عينان له ... لكن
لا يتقن دور الإنسان
ونطوق يا عيني
لكن يشبه جنسا ثانِ
- من جنس الحيوان؟
- لا...أبدا
ذاك الجنس بأخوته أرحم!
من جنس الشيطان
من جنس الخلق الأعمى
لا يحمل قلبا في جوف
لا يحمل غير الأضغان

صور من حكمه:
تلعب بنتي في بيت الجيران
سقاها السم يهودي في غزهْ
ينبحها كلب عن بعد
في أمريكا
كي يأكل إرث الجد المقتول
على أنغام الذل ببيتي
وهناك شواء في بيت الجار الأقصى
وغناء في البيت الثاني
فعجبت لحقل أسكنه
نصف ، نار تحرقه!
والنصف الثاني
يشبع من عسل الجاني!

مقامات الترقي




هذي صلاتي في المقام الموصلِ
غيبا رأيت في الوقوف الأولِ
حالٌ أتى
مشتتا تأملي
حبٌ أذابني أسىً
وجدٌ سقى تَحَمُّلِي

سكرٌ أطال غيبتي
في بحر حبٍ لَجِبِ
كشفٌ أزاح ظلمةً
للذةِ المؤمِّلِ
دنيا بها تجاهلي
ورؤيتي بها هدىً
يفوق عقل الجاهلِ
وظاهرٌ أخطو به
لباطنٍ يجرُّني
به رأيت غايتي
بفهم كل العللِ.


أوقفني في الحضرةِ:
كان الكلام لذةً
والخمر يغلي مرجلي
أوقفني في الواقفينْ
أوقفني وقال لي:
هذا جمال العتمةِ
انظر إليه باصرًا
واكشفْ غطاء الظلمةِ
نوري هناك .. حجتي
يا حجتي
في الخلق أنت حجتي

في حال صحوتي:
حمقٌ لحب دُنْيَةٍ
تجف منها قوتي
وقسوةٌ تنتابني
وشدةٌ تروح بي
أغيب عنها ملهمًا
بلذة المجربِ

وبان لي..
صرخت لمَّا قد دنا
أخذت منه ارتجي
خذني إليك مهجتي
خاطبني
كلمني
ادنُ وجرِّب حضرتي
فانشق نورٌ ساطعٌ
من بين صدر ظلمتي
أوقفني وقال لي:
قرِّبْ إليَّ مسمعًا
وامنحنِ قلبًا مولعًا
حقُّ اليقين منحةً
لمن وصلْ
عينُ اليقين أن ترى
بالكشف كل حجةِ

وقال لي:
قرِّبْ إليَّ مهجةً
قد لا ترى في العتمةِ
إلا بنور حكمتي
نورٌ به قد تهتدي
ادخلْ إليها سالمًا
كيما ترى سفر الوليْ
حالٌ مضى أعادني
حال أتى غيَّبني
سكرٌ بوجدٍ مسَّنِي
والشَّطح غيبٌ قد ظهرْ
بوحٌ بسرِ حبنا:
(يا سيدي
يا ملهمي
أنا الذي...
أنت الذي...
غيبتني
تلك المُنى
تلك التي
في مهجتي
أنتِ أنا
في جبَّتي)
صرنا معا في اللذةِ
أمشاجنا من طينةٍ
مخلوطةٍ لواحدِ

في حال غيبتي:
النَّور ممسكٌ يدي
يقودني لعدَّتي
منَ اليقين أغتذي
ولليقين وجهتي
أوقفني وقال لي:
اقرأ بكل آيةٍ
وامسكْ بحبل عروتي
ولا تزغ عن حجتي
فانهار جانبي
خوفا من الذي ...
لو كان واقعًا
أزال عني رتبتي
وقال لي:
لا تعتدي...
أخافني منَ الغدِ
وقال لي:
(تفردي في وحدتي
ووحدتي في هجرتي
وهجرتي وسط الغريب لذتي
ولذتي في وقفة أرجو بها تمازجي)
عند الوصول والرفاق قد قضوا:
أصبحت أمتطي سنام زورقي
أقوده نحو التحامٍ أبدي
بفكرتي
تلك التي
تولَّدتْ في غيبتي.

تقول لمَّا أبصرتني عاذلي
مفكرا ومطرقا في سكرتي:
تقول لا شيء هنا
يضمُّنَا
أقول: بل إرادتي
في رحلتي نحو الأقاصي متعتي
في رحلتي ...
بين المقام أرتقي.

قبل الرحيل عاذلي
رؤيا رأيتْ
شيخا مسنا قد هرمْ
يقول لي:
ألم يحنْ؟
وقال أخرى مختفٍ
ألم يحنْ؟
مددت عيني نحوه
وقلت : ماذا سيدي؟
فلم يجبْ!
ولم أرهْ
وبعدها
رأيت طفلا شدَّني
نحو بيوتٍ من خزفْ
رأيت فيها صورةً
تضم شيئا مختلفْ
ثم اختفى
بقيت وحدي خائفًا
حل الظلام فجأةً
وبينما أنا قلقْ
رأيت نورا يرتجفْ
يمشي هناك مسرعًا
تبعتهُ
رأيت نفسي تتجهْ
نحو المكان نفسهِ
وفجأةً
هويت صارخا إلى
غياهبٍ بلا انتها
فامتد خيطٌ من بعيدْ
يقول لي: ألم تفقْ؟
أيا رفيقْ ..
ألم تفقْ؟!
من غفلة الحياهْ
صرخت إني مؤمنٌ
فمد لي يداه
وقال لي:
ذاك الطريق للهدى
وبعدها شددت رحلي معلنًا
بدء الرحيل من هنا
تلك ابتداء عزلتي
يا عاذلي.
لا تحسبيني جاهلاً
مضيعًا للذتي
فلذتي في القسوةِ
والنفس غرقى في الهوى
عند ابتعاد الجسدِ
أنا العشوق رغبةً
أنت العذول مفسدي
أترغبين أن أرى
حق اليقين مرةً
دون الغياب الأبدي
أو التذاذ التعبِ
هذا محال عاذلي
ففي الغياب والنوى
أو اكتناه الغامضِ
وفي الخيال والرؤى
أرى الجحيم جنتي
وجنتي عند انتهاء حيرتي
وحيرتي لن تنتهي
إلا انتهاء رحلتي
ورحلتي لن تنتهي
إلا اكتمال غيبتي
في محنتي ؟!

مرثية للعم سليمان

قد مات اليوم العم سليمان الأعمى
لم يعرف ظلما
كل طغاة الأرض أسارى
في كِلْمَهْ
رددها من فوق القمهْ
في ركن الكلمات الأسمى
يسكبها في قلب المشتاق لرحمهْ
من فوق مآذن مسجدنا
قد أذَّن أن الله ينادي
في الأرض الحرهْ
يا عبدي عش حرا
لا تأبهْ
كل طغاة الأرض عبيدٌ
اجمعهم واصنع في الأرض لهم حفرهْ
واجعلهم تحت حذائك يا عبدي
هم كالجُعْلِ المُنْتِنِ
أشرف منهم نملهْ
***
كان العم سليمان الأعمى
يمشي للمسجد مختالا
أن الله كساه النعمهْ
في جعل الصوت أذانا
يمحو ليل الظلمهْ
وعصاه بيمناهُ
تضرب فوق الأرض الصلبهْ
تعلن أن الثورهْ
آتية من بين نياب الأفعى
عضهْ
تسقي كل الطاغين عذابا
تسقيهم من نفس الكأس
المرهْ
قد ذاق مرارتها مسكين
لم يلق مرهْ
من واساه بلقمهْ
***
في مرهْ
قال العم سليمان بصوت تكسوه الشفقهْ:
قم يا مسكين بثورهْ
لا تخضع يوما
لا تقبع في حفرهْ
أقبل نحو الجبل العالي
واجلس فوق القمهْ
وافتح أفواه الطاغين بأرضي
ألقي فيهم جمرهْ
تحرقهم لا تبقي منهم أحدا
أشعل نورا في العتمهْ
***
قد مات العم سليمان الأعمى
قد كان بصيرا
من قلب تملؤه الغبطهْ
لم يظلم يوما أحدا
في عمرهْ
***
في يوم حدثني يا ولدي
هذي الدنيا
لا تركب فيها شيئا أبدا
زائلة ... يا ولدي
قافلة الرحلهْ
تمضي مسرعة
تقتنص الغفلهْ
تأخذنا من هذي الدنيا
نحو مصير نجهله
وحياة أخرى
هي أنقى
نلقى فيها ربا
نحظى عدلا في قربهْ.
***
بعد الموت أتاني
عينان له حلوهْ
أبدلني ربي خيرا
أورثني الجنهْ
اسمع يا ولدي
واصل ثورتك الكبرى
حتى ترحلْ
واصل من بعدِ ندائي
لا تبخلْ
لا تيأس ... يا ولدي
قد أعطاك الله النور الأكملْ
دع أذيال الظلمِ
لا تقبلْ
غير العز طريقا
غير الثورهْ
غير صحاب الدرب رفاقا
واحمل شعله
وانثر في الكون شرارا
يقتل كل طغاة الأرضِ
وارسم أغنية المجد الآتي
كلمات من فضهْ
فوق فصول العمر الآتي
في غزهْ
في البصرهْ
***
هذا العم سليمان الأعمى
عميان حقا
من لم يشهد فخرهْ
هو مسكين لا يملك شيئا
لكن يملك قلبهْ
يملك صوتهْ
يملك كل الدنيا في كفهْ
يملك ما لا يملكهُ
كل طغاة الأرض الحمقى
يملك حب الناس جميعا
هذا في الدنيا ملكهْ
***
العم سليمان الأعمى
صورة إنسان أشرقَ
فوق الأرض ليعطي
صورة إنسان الله الأسمى
صورة إنسان إنسان
طلق روح الأفعى
***
العم سليمان الأعمى
لم يرحل
مسكنه في قلبي
لم يرحل
شعلة نور في الدرب
باق في السطر الأول
نورا للثوره

رؤيا في ليل مظلم

في ليل جل عن الوصف
في بحر يغرق آمالي
أتحدث في شيء آخر ، لغة أخرى
عن غول يسرق أيامي
عن نجم صعب أن يقرأ
في بيت الكون الواسع
برج الثور تمادى
في المغرب قد هاج الثور الأخرق
وقرون الثور تلوت
في المشرق
كي تهدم أحلامي
يا أمي
هذي الغربة
تنهش أعضائي الأربع
يتلاشى في أذني صوت
وصداه بكل الألوان
قد ماتت روح الإنسان
والموت أما مي .. يا أمي ..
وينادي يا كل الحمقى
يا أوهام ضياء خافت
في صبح أخفت
حجبت شمسه
بجنود الليل المارق
سأغيب قليلا يا أمي
عن تلك الفترة
في تلك الرؤيا ...
الشيخ ينادي
هيا انهض يا ولدي
أقلام لا تعرف لغتي
تنهش جسمي الهامد
تنخر في قلبي سعده
وأفاع من حول الصخرة
قد باضت تحت ركامي
تنفث دوما سما
كي تقتلني .. يا ولدي
كي تغرق أيامي
كي تبني في قبري
ليل الشؤم الدامس
وهناك قريب مني
ثعبان آخر
قد مد يديه إلى بلدي
من ركن البيت الأغبر
ينهش من لحمي قطعة
ويغني في نعشي .. يا ولدي
ويردد سفر الأحزان:
(هذا ما كنت أخططه
هذا ما يسعدني حقا
أن أخلط كل الأوراق ببعض
وأدوس رقاب الأيام
وأعلق شمسا في أفق
ليظل الليل الجاني
وأجول الأرض على فرس
هولاكو جدي
والقتل إمامي
كي أقطع أوصال البلدان
وأغني أغنية الموتى
مع أشباح صديقي الليل المظلم)
في رؤيا أخرى
من بين ركام الحزن الطاغي
أتاني الشيخ بهيئته الكبرى
بثياب خضر وعمائم
وعصا بيضاء ولحيه
قد شعت نورا وأماني
وامتدت من يده ضربة
قد نالت كل عظامي
ما هذا النوم .. بنيَّ
في عصر البركان الثائر
في زمن التنين الغادر
في زمن الأحياء الأموات
حيث الطفل ينادي
يا أمي
قتلتني الغربة
والخوف أمامي
يعزف أوتار الرهبة
وبصوت عال قد هز كياني
وانداح الأمن وسافر
ودعني لم يأمل رجعة
فاهتزت أوصالي فزعا
من صوت الغربة
من صوت الوحش الآتي
كي يمتص دمي
ويريني ... كيف تموت النخلة؟!
في زمن الآتين على بغل الجيش الأحمر
في زمن البط يغني في بلدي
وتيوس البيت الأبيض
ترعى أشجارا في الموصل
وتمأمئ في البصرة
في رؤيا أخرى
في غزة
حيث الشيخ أتاني
يمسك حزنه
ارفع رأسك
انظر نحو الأفق العالي
انهض من تلك السكرة
وامنح نفسك أفعالي
-لا أقدر
فأنا اليوم ضعيف
لم يمنحني ربي قوة
فذنوبي تخنق أوصالي
يا شيخي ..
ارحل وحدك
فأنا بالدنيا مشغوف
لم تعتقني الدنيا يوما
من أوهامي
اذهب غزة
وامنحني من وقتك بعضه
أخبرني كيف الطفل يعاني؟
لن يلقى أمه
بعد الساعة لن يلقى أمه
اسمعني صوت الحسرة
اسمعني صوت الإنسان الغادر
صور لي غدره
وارسم لي صورة أيام في غزه
كيف كساها الليل الكحل
صوت مريض في مشفى
صوت أنين من طفل
صور لي صوت شكوى
صور لي كيف الأم تعاني
في لقطه:
(هذا طفلي
قد مات أمامي
لم يشبع من صدري
قد مات أمامي قبل الفجر
ذاك الفجر الغائب
قد يأتي أو لا يأتي)
في رؤيا أخرى
حيث جنود الوهم تلاقت
وجيوش تترى
وسلاح يأتي
ولقاءات تجرى
نجني منها الشوك ثمارا
وكلاما مثل الموج
سرعان الموجة حطت
والماء تراجع خوفا يجري
للخلف.
وبراكينا من تصريحات
وزلازل تهذي
سرعان البركان تبخر
والزلزال يغني
ماذا نجني يا شيخي ؟!
أخبرني عن غير الأحلام الصرعى
وأمان موتى
فحياتي يا شيخي
ليست إلا رؤيا
ملئت أشباحا
فاتركني أحيا
في الرؤيا.